...
ابرز الموادسلايدر الرئيسيةسياحة المملكة

«مكة المكرمة».. آثار خالدة منذ 1400 عام شاهدة على عظمة الإسلام

للأوقاف أهمية في المجتمع المسلم وأضحت سمة له، ومن أبرز نُظمه في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والإسهام بشكل فعَّال في الحياة العلمية والعملية لأبناء المجتمع.

ورصدت الهيئة العامة للأوقاف عدداً من النماذج الوقفية التي تعد من النماذج المشرفة الباقية آثارها خالدة إلى يومنا هذا ومنها وقف “بئر عثمان رضي الله عنه” ، وهي البئر التي مر 1400 عام على شرائها من قبل الصحابي الجليل عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وكانت تسمى بئر “رومة” وتقع شمال غربي المسجد النبوي في المدينة المنورة، وما تزال تروي سكان المدينة المنورة بمائها، وتسقي نخيلهم وأشجارهم.

قصة البئر، بدأت حينما أخذت المدينة المنورة تزدهر بعد هجرة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – لها، حيث وجد المسلمون أن أحد أعذب مياه المدينة بئر تقع في منطقة العقيق الأصغر تسمى بئر رومة، كما وجدوا أن مياه المدينة تجف كلها إلا بئر رومة، لكن الوصول إلى البئر لم يكن سهلاً، إذ كان على من يريد أن يشرب منها أن يدفع لمالكها، وهو أمر لم يكن في متناول كثير من سكان المدينة النبوية آنذاك. فقال حينها صلى الله عليه وسلم : من يشتري بئر رومة وله الجنة .  فبادر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وسارع بشرائها وجعلها وقفاً عاماً يستطيع الجميع الشرب منها.

وخلال عقود ظلت البئر منبعاً لسكان المدينة وزوارها،  وفي بعض السنوات عانت من الإهمال، لكن الدولة السعودية اهتمت بها وقامت باستصلاح الأرض التي تقع فيها والاستفادة منها في زراعة النخيل وتوزيع ثمره على المحتاجين، ليستمر وقف الصحابي الجليل حتى يومنا هذا، حسبما أكدت وكالة الأنباء السعودية “واس”.

وكانت وزارة البيئة والمياه والزراعة ( وزارة الزراعة والمياه سابقاً) استأجرت البئر ومزرعتها من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد وبدأت في الاستفادة من مياه بئر الصحابي الجليل وجرى زرع المنطقة المحيطة به حتى وصلت النخيل المزروعة إلى أكثر من 15,500 نخلة على مساحة تقارب 100 ألف متر.

ويقدر عمق البئر يقدر بحوالي 37 متراً، و قطرها 4 أمتار تقريباً، ويبلغ مستوى الماء 29 متراً تقريباً.

وفي منطقة مكة المكرمة يبرز عبر التاريخ وقف “عين زبيدة” الذي أنشأته زبيدة بنت جعفر المنصور زوجة الخليفة هارون الرشيد، حيث بنت المساكن والمساجد، وبرك الماء والآبار على طول طريق الحج من بغداد إلى مكة المكرمة وجعلته للنفع العام (الحجاج وعابري السبيل).

وأمرت زبيدة بحفر قنوات مائية تتصل بمساقط المطر، واشترت جميع الأراضي فـي الوادي، وأمرت بأن تُشقّ للمياه قناة فـي الجبال، كما استطاعت زبيدة برجالها العاملين أن يبدأوا فـي تصميم هذا المشروع العملاق بطرق فنية متطورة توازي ما توصل إليه اليوم علم الهندسة من تطور وتقدم، لاسيما فـي قدرة العاملين آنذاك فـي سحب المياه عبر تلك المسافة الطويلة وعبر مرتفعات ومنخفضات جبلية وأودية وصحاري، فعملوا المناسيب المنسابة لمجرى العين والقنوات بالحجر والجص حتى استطاعت المياه الانسياب عبر هذه القنوات والمضخات البدائية بكل سهولة ويسر حتى وصلت إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة مروراً بمناطق المشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة، ولا تزال آثار القنوات المائية والخرازات قائمة إلى يومنا هذا فـي سفوح الجبال وكأنه قد تم عملها بالأمس رغم مرور مئات السنين عليها.

حيث روعي أثناء تنفيذه وضع فتحات لقنوات فرعية أقامتها فـي المواضع التي يكون من المتوقع اجتماع مياه السيول فيها؛ لتكون هذه المياه روافد تزيد فـي كمية المياه المنقولة إلى مكة المكرمة عبر القناة الرئيسة، ومن هذه القنوات الفرعية التي خصّصتها للمياه الإضافـية السيلية فـي الطريق: عين “مشاش” وعين “ميمون” وعين “الزعفران” وعين ” البرود” وعين “الطارقي” و”عين تقبة” وعين “الجرنيات”؛ وكل مياه هذه القنوات الفرعية تصبّ فـي القناة الرئيسة، وبعضها يزيد سنويًا، وبعضها ينقص بحسب الأمطار الواقعة على جهاتها من وادي نعمان إلى عرفة.

وانطلاقاً من أهمية الأوقاف والمحافظة عليها، تم في عهد المؤسس الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – إنشاء إدارة خاصة لإدارة العين سُمّيت (عين زبيدة) تشرف إشرافًا كاملاً على العين والآبار الخاصة بها وترميمها.

وزاد الاهتمام بعين زبيدة، فصدر أمران ساميان لمنح الأراضي الواقعة على جانبي الطريق الأسفلت لعين زبيدة لوقفية العين، وتضمنا: تسجيل الأراضي الحكومية التي مرت بها مواسير العين للاستفادة منها في صيانة وإدارة المشروع، وتسجيل تلك الأراضي للعين للإفادة منها كدخل ثابت للإنفاق عليها، وتسجيل أراضي ريع كدي المملوكة للحكومة باسم

وانطلاقاً من النهج الذي سار عليه المؤسس الملك عبد العزيز – رحمه الله – ومن بعده أبناؤه البررة بالاهتمام بالحرمين الشريفين وما يعود بالنفع والفائدة على الحجيج والمعتمرين وزوار البيت الحرام، وقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله –  “قلعة أجياد”، وما اشتملت عليه من منافع وعموم الأراضي التابعة لها على المسجد الحرام، وأمر بتنفيذ مشروع عملاق بمسمى وقف الملك عبد العزيز على أرض الوقف.

حيث وضع حجر الأساس للمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – فـي 28 / 11 / 2002م، وتم الانتهاء من بناء المشروع رسمياً فـي 20 / 1 / 2007م. حيث صمم ليصبح صرحاً معمارياً راقياً، يتكون من مركز سكني من سبعة أبراج ومركز تجاري ضخم بالإضافة إلى أسواق مركزية، ومنطقة مطاعم.

كما يقع الوقف فوق جبل القلعة بإطلالة مباشرة على ساحات الحرم المكي الشريف.

كما روعي فـي مباني الوقف إبراز النواحي الجمالية والطابع المعماري الإسلامي، والمحافظة على البيئة فواجهات مباني الوقف ترسم الطابع المعماري الإسلامي العتيق، بشكل يليق بأهمية المشروع وموقعه قرب المسجد الحرام، حيث يعد الوقف مدينة متكاملة الخدمات.

وما يميز وقف الملك عبدالعزيز هو القرب من المسجد الحرام، واتصاله المباشر بساحات الحرم الخارجية، وتتربع على قمة الوقف أعلى وأكبر ساعة فـي العالم تحتوي على أكبر شعار للمملكة، ويعلوها أكبر لفظ ( للجلالة) مع أكبر هلال إسلامي فـي العالم.

ويعد الوقف من أكبر المباني السكنية والتجارية فـي العالم من حيث مساحة المبني، حيث تبلغ مسطحات المشروع (1.500.000) متر مربع، وهو مكون من 7 أبراج متلاصقة، وبارتفاعات مختلفة يصل ارتفاع البرج الرئيسي فـيه إلى (601) متر، ويستوعب عدداً كبيراً من الزوار وضيوف الرحمن يبلغ (65.000) نسمة، كما تبلغ الطاقة الاستيعابية للمسجد الواقع داخل المجمع نحو ثلاثة آلاف وثماني مائة مصل.

وبلغت تكلفة المشروع الإجمالية أكثر من ملياري ريال، ووفقاً لعقد الاستثمار تبلغ مدة الانتفاع به (35) عاماً هجرياً ،فيما يعود ريع الوقف على مصالح وخدمة الحرم المكي الشريف.

ويتميز وقف الملك عبدالعزيز بوجود مركز طبي متكامل ومقر مقر للمؤتمرات بطاقة استيعابية تبلغ (1500) شخص ، ومحطات خاصة للحافلات للتنقلات الداخلية، ومركز ثقافـي كبير، بالإضافة إلى مركز خادم الحرمين الشريفـين لدراسة ومتابعة منازل القمر، ومركز أبحاث علوم الفلك، ومركز رصد فلكي.

وأنشئت عين العزيزية بمحافظة جدة عام 1367هـ بتوجيه من جلالة الملك عبد العزيز – رحمه الله – على أن تكون وقفا له ويتركز عملها على جلب المياه من وادي فاطمة من المنطقة الواقعة شرق محافظة خليص الى جدة بمسافة 70 كيلو متراً تقريباً وتم في عام 1387هـ إيصال المياه من منطقة خليص إلى جدة ضمن نشاط العين العزيزية ،حيث كانت العين حتى عام 1389هـ هي المصدر الوحيد تقريبا لسقيا أهالي محافظة جدة.

ووجه الملك عبد العزيز- رحمه الله – بإيجاد موارد مالية للعين العزيزية وأن يكون ربع الأراضي الواقعة جنوب وشمال مجرى العين العزيزية من الكيلو الخامس في جدة وحتى منابع العيون شرق خليص للعين العزيزية إضافة إلى المبالغ التي تستحصلها العين من إيراد المياه.

وتم في عام 1389هـ إنشاء محطة التحلية في جدة ودعم إنتاج الكمية التي تنتجها العين واستثمرت العين في استحصال الرسوم من المستهلكين إلى تاريخه، كما قامت العين العزيزية بإنشاء مدن لحجاج البحر والجو برسوم رمزية تضاف إلى دخل العين.

ومع مرور الوقت أصبح لدى العين الكثير من الموارد وبالتالي الكثير من الأصول سواء عمائر أو مكاتب ومقار عمل وصيانة ومعدات وخلافه، ويتم صرف جزء من غلالها على الأعمال الخيرية.

وتقوم إدارة العين العزيزية بعدة أعمال منها استحصال رسوم المياه من المشتركين في محافظة جدة ورسوم الأراضي المباعة ضمن امتياز أراضي العين وقيمة أجور المباني المستثمرة من أملاك العين وإدارة مدن الحجاج وصيانتها وحفر آبار المياه لدعم إنتاج مياه العين مع القيام ببعض الأعمال الخيرية؛ كإنشاء المساجد والمقابر وتقديم الصدقات وخلافه.

أحمد حماد

صحفي مصري ومعد برامج ـ تخرج في كلية الإعلام عام 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Languages - لغات »