...
ابرز الموادمقال

عما أرغب بالاحتفاظ لي به من العالم على أي حال

بقلم هبه عثمان

 

أذكر براء أشرف رحمه الله كثيرًا، في كل بداية عام جديد أذكره، منذ أخبر العالم بيما يريده قبل بلوغه الثلاثين
بلغت الثلاثين في نفس توقيته، وها أنا أقترب من الأربعين وأنا أذكر الألم جيدًا يا براء، كل لطمة وكل كلمة ألقيت ببساطة كخنجر في قلبي.

اقتربت من عمر الحكمة الذي شهد نزول الوحي، وأنا مازلت أريد اللعب..لكن هذه الرغبة ألقي التعب بظلاله عليها، فأصبحت وأقراني نكتفي بجلسات صمت طويل، فلا طاقة لأي شيء في الحياة.
 
أريد من العالم أن يتركني لحالي، بكل ظنونه السيئة، والتباسات الأمور، ومحاولات الانتصار الدائم لنفسه، أن أظل في غرفتي لا أغادرها، وإن اضطررت..أغادرها بعد أن أترك قلبي فيها تحفظه برودة الجدران من أي نفحات دفء خادعة.

أن لا أنسى أي قسوة باردة وجهت إلي، وأرد بمثلها تمامًا، وأن أظهر مقدار الإحترام الذى عوملت به ،وأن أصمت، أن تكون الغلبة لفترات صمتي لآخر عمري، وأن لا يشاركني فيهما أحد.

أن أتلاشى، أختفى ببساطة وبخفه، بهدوء وببطء، أن لا يلاحظني أحد، فكلما حدث هذا أنتبه لسكين خلف يديه، وفي لسانه، وفي عينيه.
أن أغادر الدنيا غريبة، ليس لي فيها شيء أو أحد، أن أمر كطيف لا يهمه أن يترك أي ذكرى، فهذه مسألة مربكة على أي حال.

أن أبادل دوري مع أي شخص يريد خطة واضحة بخصوص المستقبل يا براء، أنا لا أرغب بحظوظ المستقبل بقدر رغبتي بالنجاة من آلام الحاضر، وأن أتخلص تمامًا من الأمل كعدو مخادع، يختفي وراء ابتسامات مداهنة وأحاديث تأكل الوقت بشراهة دنيئة.

أن تحتفظ قهوتي الصباحية بحنانها، وأن يتوقف العالم بأكمله لي معها في كل صباح لمدة ساعة واحدة..فقط، أن أخبر الحب بأنني سأختصمه ومراوغاته الكاذبة أمام الله، ففي كل مرة أجد لي مخبأ آمنًا منه يلاحقني شبحه وترهاته.

ألا استقيظ قلقة أبدًا بعد منتصف الليل، أن يدرك القلق حدوده معي، وأن أنجح في أن أجعل ساعات نومي ساعات استشفاء من كل ما يحدث بالحياة.

أن لا أخفق في إرواء جذوري في وطن جديد، وحتى يحدث هذا، أرغب في النجاة بوطن صغير داخل كل أرض لا أنتمى إليها..ولا تعرفني.

أن يتجلي لي الله في كل فعل، أن أطمئن به كما فعل مع موسي كليمه، أن لا تسور مشاعري عنه، فأخاف كمن لن تطمئن أبدًا..وأغضب وأشكو وأرتبك، فيعاجلني بالطمأنينة والحلول، ومعجزات بسيطة..بقدر ما بقي لي من سنوات في هذا العالم
فأنت تعلم يا الله أنه لم يعد في العمر بقية، ولا طاقة في الروح، ولا حيلة لي سواك.

أن احتفظ بنصيب بسيط من مسببات الطمأنينة في هذا العالم، بعد أن ذقنا مرارة فزع تقلص الأمنيات فأحاول الوصول بما أريده من العالم ولو بنصف جملة مقالك، فيدركني اليأس والألم..ولا أستطيع.

فقد أحكم الزمن تمامًا قبضته علينا يا براء، دون أن نستطيع حتى أن ندرك هذا، ولم يكن لنا حظ ولو في سعادة كاذبة.

المصدر
هبه عثمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Languages - لغات »